شهد الاقتصاد المصري خلال سبتمبر 2025 حالة معقدة تجمع بين إشارات تعافٍ نسبي وضغوط ثقيلة تفرضها التزامات الديون وأوضاع المعيشة. أبرزت وكالة رويترز في تقاريرها أن التضخم السنوي في المدن المصرية واصل التراجع إلى نحو اثني عشر في المئة، بعدما كان قد لامس مستويات قياسية قاربت الثمانية والثلاثين في المئة العام الماضي. هذا الانخفاض يعكس نجاح السياسة النقدية في تهدئة الأسعار بعد دورات متكررة من التشديد، لكنه لا يترجم مباشرة إلى تحسن في القوة الشرائية للمواطنين الذين ما زالوا يعانون من ارتفاع تكاليف السلع الأساسية والخدمات.
خفض البنك المركزي سعر الفائدة على الودائع والإقراض بواقع مئة نقطة أساس، في خطوة اعتبرتها المؤسسات المالية الدولية بداية لمرحلة تيسير نقدي حذر. برّر مسؤولون هذا التوجه بتراجع معدل التضخم، لكن محللين أجانب ربطوا القرار بمخاوف تتعلق بالنمو الاقتصادي البطيء والضغط على قطاع الأعمال. ورغم أن التيسير قد يساعد على تحفيز الاستثمار المحلي، إلا أن الخطر يكمن في احتمالية إعادة إشعال التضخم أو زيادة الطلب على الدولار في ظل سوق عملة متوترة.
أوضحت تقارير البنك الدولي أن مصر تواجه استحقاقات ضخمة لسداد ديون خارجية تصل قيمتها إلى عشرين مليار دولار خلال النصف الثاني من العام، ما يضع الجهاز المصرفي والحكومة تحت ضغط استثنائي. يعتمد الاقتصاد بشكل متزايد على تدفقات نقدية خارجية واستثمارات خليجية لسد الفجوة التمويلية، وهو ما يثير مخاوف لدى خبراء من هشاشة الوضع إذا تراجعت تلك التدفقات لأي سبب سياسي أو اقتصادي إقليمي.
شهد الجنيه المصري خلال سبتمبر حالة من الاستقرار النسبي، إذ جرى تداوله في حدود ثمانية وأربعين جنيهًا للدولار بحسب بيانات الأسواق العالمية، وهو تحسن محدود قياسًا بالفترات السابقة التي شهدت تراجعًا حادًا للعملة. رأت صحيفة "أهرام أونلاين" الناطقة بالإنجليزية أن هذا الاستقرار قصير الأمد وقد يتعرض لاختبار صعب مع اقتراب استحقاقات الدين واحتياجات الاستيراد المتزايدة.
طرح البنك الدولي توقعًا لنمو الناتج المحلي الإجمالي عند حدود أربعة فاصل اثنين في المئة للعام المالي 2025/2026، وهو معدل أدنى من التطلعات الرسمية لكنه يعكس انتعاشًا تدريجيًا مقارنة بمرحلة الركود الأخيرة. غير أن تقارير "بيزنس توداي إيجيبت" لفتت إلى أن القطاعات الصناعية غير النفطية تعاني من تكاليف إنتاج مرتفعة وصعوبات في الحصول على مدخلات مستوردة، ما يهدد قدرة النمو على الاستمرار.
ركزت تحليلات "أراب فاينانس" على أن الحكومة تحاول تحسين أوضاع الميزانية عبر إصلاحات مالية تشمل زيادة الإيرادات الضريبية وخفض الدعم تدريجيًا، إلى جانب وعود بجذب استثمارات جديدة من دول الخليج. نقلت الصحيفة عن مصادر رسمية أن مصر تتوقع الحصول على ما يقرب من نصف الاستثمارات الموعودة خلال الشهور الأخيرة من العام، في محاولة لتعزيز الاحتياطي النقدي ودعم الجنيه. لكن خبراء اقتصاد أشاروا إلى أن الاعتماد الكبير على الأموال الخارجية لا يوفر ضمانة لاستقرار طويل الأمد، إذ تبقى المخاطر قائمة إذا تغيّرت الظروف السياسية أو الاقتصادية في المنطقة.
وصفت رويترز المناخ الاقتصادي في مصر بأنه مفترق طرق. فالتراجع الملحوظ في التضخم يعطي متنفسًا محدودًا للأسر ولصناع القرار، بينما تظل الديون الخارجية، والضغوط على الجنيه، وتباطؤ الاستثمارات، تحديات ثقيلة على مسار التعافي. يرى محللون أن الحكومة مضطرة إلى موازنة دقيقة بين جذب التمويل الخارجي وتخفيف معاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار، وإلا فإن أي اضطراب قد يعيد دوامة التضخم ويضعف الثقة في الاقتصاد.
يظهر الاقتصاد المصري في نهاية سبتمبر 2025 كمنظومة متأرجحة بين محاولات إصلاح نقدي ومالي وبين واقع اجتماعي صعب تعكسه أسعار الغذاء والطاقة وإيجارات المساكن. يتحدث الأجانب عن نجاح نسبي في السيطرة على التضخم وعن مؤشرات نمو معتدل، لكنهم يكررون التحذير من أزمة ديون تقترب بسرعة وتفرض على الحكومة سباقًا مع الوقت. وبينما يحاول صانعو القرار تقديم صورة أكثر استقرارًا أمام المستثمرين، يظل المواطن البسيط عالقًا في معركة يومية مع تكاليف المعيشة.
المصادر:
https://www.reuters.com/world/africa/egypt-seen-cutting-interest-rates-by-100-basis-points-thursday-2025-09-29/?utm_source=chatgpt.com
https://www.reuters.com/world/africa/egypt-central-bank-slashes-key-interest-rates-by-200-bps-2025-08-29/?utm_source=chatgpt.com
https://see.news/world-bank-egypt-to-repay-203-billion-in-h2-2025?utm_source=chatgpt.com
https://arabfinance.com/News/newdetails/14508?utm_source=chatgpt.com
https://www.reuters.com/world/africa/egypt-inflation-seen-slowing-127-august-2025-09-08/?utm_source=chatgpt.com
https://medafricatimes.com/37034-world-bank-unveils-egypts-2024-2025-external-debt-repayment-plan.html?utm_source=chatgpt.com